تفاجأت نهى فريج، بعد مشادة كلامية مع زوجها، برسالة نصية منه تردها على هاتفها «الموبايل»، يطالب فيها «بإسقاط المدام». ولم تستشط نهى غضباً، من مطالبة زوجها بإسقاطها، لأنه «لم يصرح برغبته في الزواج من أخرى، وتطليقها». وعلى رغم ثقتها بأنه كان «يمزح في مطالبته، ويعبر عن ضيقه مما حدث بيننا، وأدى إلى حدوث المشاجرة»، مضيفة أن «مطالبته بإسقاطي أثار ضحكي، ما دفعني إلى الاتصال به، والمطالبة بتمديد فترة حكمي للأسرة، ليرد علي بضرورة التشاور، لوضع توقيت لنهاية حكومتي، مع وضع شروط انتخابية جديدة».
ويشير ما حدث بين نُهى وزوجها، إلى تسلل «الثورات»، التي تجتاح غير بلد عربي، إلى مخادع الأزواج وغرف الأطفال، وحتى المطابخ، مستخدمة مصطلحات وعبارات وجملاً، نالت شهرة واسعة خلال هذا الحراك العربي، أبرزها «الشعب يريد...»، وإن تحول «الشعب» داخل المنزل إلى «الأسرة». ويصف محمد عبدالجبار، ما يحصل في منزله بـ «عدوى الثورة»، التي «خلقت طابعاً مميزاً على الأسرة في أسلوبها»، الذي بات على حد تعبيره «مملاً». ولكنها «نقلته نقلة نوعية، ما يجعل الأبوين يتقبلان مطالب الأبناء»، مضيفاً «لم يعد أولادي يستخدمون كلمة «نريد»، بل «نطالب»، وهذا من حقهم عليّ كأب، أن أوفر لهم حاجاتهم، وأعتقد أن تغيير الكلمات المعتادة جعلنا أكثر مرونة مع الأبناء، في التعاطي مع حاجاتهم».
وإذا كانت بعض الأسر تفرض، في السابق، قيوداً وشروطاً، إضافة إلى القرارات على الأبناء. إلا أن تلك الشروط لم تعد مقصورة عليهم فقط، بل تشمل الجميع، بمن فيهم الأبوان. فلقد حولتها أسرة عبدالهادي إلى «قرارات وشروط مكتوبة، يصوت عليها الأبناء». وتقول زوجته: «اتبع أبنائي أسلوباً جديداً، عوضاً عن طرح المطالب كلامية، فلقد أصبحوا يطالبون بها كتابياً، وفق أسلوب معين، ما استدعى أن تكون موافقتنا عليها كتابية، بالموافقة أو الرفض، إلا أنهم اشترطوا أن يكون الرفض «لأسباب مقبولة ومعقولة». وكانت آخر وثيقة تسلمها عبدالهادي وزوجته من أبنائهما الخمسة، «ألا نكون ملحين عليهم في المذاكرة، ونترك لهم حرية اختيار وقتها، ووافقنا ووقعنا على هذا الطلب. إلا أن شرطنا لاستمراره ألا يتغير مستواهم الدراسي خلال أسبوعين من تطبيقه».
وحتى ما قبل الزفاف، فإن للثورات العربية حضوراً، إذ اختار أحد الشبان، كلمات بطاقة الدعوة الخاصة في حفلة زفافه، التي انتشرت على مواقع الإنترنت مستقاة من كلمات الزعيم الليبي معمر القذافي، ليوجه الدعوة «لعامة الشعب، بيت بيت، دار دار، زنقة زنقة»، ليعلق عليها الكثيرون بأنها «بطاقة دعوة مميزة في أسلوبها الفكاهي».
بدوره، أشاد الباحث الاجتماعي عبد الإله التاروتي بتغيير أسلوب المطالب في المحيط الأسري، إذ «تعطي تلك المصطلحات صفة ثقافية، وتمارس وجودها في الواقع الاجتماعي، وكل ما كانت المفردة أقرب إلى الحياة العامة، فإنها تخلق نمطاً جديداً في داخل الأسرة»، مضيفاً أن «ما يحصل في الساحة العربية صاحبته مجموعة من المصطلحات، ولو رجعنا إلى جذورها؛ سنراها مستقاة من ثقافة الحقوق، وعلى الأسرة تلبيتها».
ويتفق التاروتي مع الدعوات المطالبة بـ «تغيير وتطوير أسلوب التعامل مع الأبناء، وترسيخ الثقافة الحوارية في الجو الأسري، فالأسرة هي النواة الأولى للحراك الاجتماعي الكبير. وفي المقابل؛ تتلقى قيماً وأعرافاً ومفردات، فتنقلها إلى داخلها المُصغر، والأحداث في الواقع الخارجي قد تشكل صدمة لبعض الأسر، لتعيد تقييمها، في كثير من الممارسات، وهذا انفتاح ثقافي آخر، ينعكس على الحياة العامة».